هناك فوارق عديدة بين التخمينات والانطباعات الشخصية والذاتية والدراسة العلمية المنهجية المنظمة المدروسة، فالدراسة العلمية المنهجية المنظمة تدرس القضية والمشكلة دراسة علمية وافية تبدأ بتحديد المشكلة تحديداً علمياً وبيان أهميتها والحاجة إلى دراستها دراسة علمية منهجية منظمة، ثم تبيَّن إشكالية الدراسة وتحدد معالمها تحديداًَ دقيقاً، وتحدد المصطلحات والمفاهيم الواردة في البحث تحديداً دقيقاً ثم يتجه الباحث نحو الدراسات السابقة في الموضوع، ويجمع الأدلة العلمية المرتبطة بالدراسة بمناهج البحث الاستقرائية والتحليلية والتجريبية العلمية حسب طبيعة البحث، ثم يبدأ الباحث في تقسيم الدراسة إلى أجزاء وموضوعات متعددة ومترابطة ومتكاملة يتم فيها تحليل المعطيات تحليلا علميا منهجيا دقيقا ليصل إلى نتائج علمية محددة يبدأ في دراستها ومناقشتها، وفي النهاية يصل الباحث إلى نتائج البحث والاستنتاج العام بعيداً عن التخمينات والانطباعات الشخصية والذاتية، ويبدأ في اقتراح الحلول العلمية للمشكلة ويطرحها وينشرها في المجلات العلمية ووسائل الأعلام طرحاَ علميا رصينا مدللا عليه بالأدلة والبراهين العلمية.
وهذا ما قامت به الدكتورة عزة كريم الرئيسة السابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة عند دراستها أسباب تزايد نسب الطلاق في السنوات الأخيرة بالبلاد العربية، وقد توصلت الباحثة بعد الدراسة العلمية والبحث الاستقصائي التحليلي إلى الفن الهابط، وما تقوم به فتيات الفيديو كليب وموديلات الإعلانات، والأفلام الخليعة، والرقصات العارية تسببت في ارتفاع معدلات الطلاق إلى70 ألف مطلقة في مصر وحدها خلال العام الماضي 2006 وبينت الدراسة أن 90%من الإعلانات يستخدم فيها جسد المرأة كمثير جنسي لترويج السلع، مقابل 8% هي نسبة الاهتمام بشخصية المرأة، كما أن 80% من الإعلانات تركز القيم الاجتماعية السلبية و89% القيم الاقتصادية السلبية.
كما توصلت الباحثة في دراستها العلمية إلى أن الدراما الفضائية الهابطة تغرس الصراع السلطوي بين الزوجين وتنمي الشعور بالغربة داخل الأسرة ما يؤدي إلى زيادة حدة الصراع بين الزوجين وزيادة نسب الطلاق، وأفادت الدراسة أن 90% من الإعلانات يستخدم فيها جسد المرأة كمثير جنسي لترويج السلع، وتعتمد 8% من الإعلانات على صورة المرأة وصوتها .
كما بينت الدراسة تأثير العلاقات الزوجية بما يبث في الفضائيات من فن هابط، ما يدفع العديد من الأزواج إلى تغيير واقعه الفعلي ونمط سلوكه وعلاقاته الزوجية بفعل ما يشاهده من أفكار وعروض فنية ودرامية وغنائية هابطة على شاشات القنوات الفضائية، كما أوضحت الباحثة الدكتورة عزة كريم أن التسطيح الفني والمشاهد التافهة أدت إلى حدوث نوع من الخلل في تحديد الأدوار بين الزوجين داخل وخارج المنزل، فكل منهما يوجه أصابع الاتهام إلى الآخر ويحمله مسئولية أخطائه .
كما بينت الباحثة أن الفضائيات أدت إلى حدوث انقلاب حاد داخل أفكار ومشاعر الجماهير، وحدوث بلبلة فكرية، وساعدت على الخلط بين الحلال والحرام والصواب والخطأ والأخلاق الرذيلة والحميدة، وهو ما يتطلب مراجعة ووقفة من قبل مسئولي القنوات الفضائية حتى لا ينهار البناء الاجتماعي والأخلاقي للأسرة العربية .
إذا أضفنا إلى ذلك أن المرأة في الإعلانات والمسلسلات الهابطة تقوم بعمليات تجميل زائفة، ويختار لها نساء في أعمار محددة، ويأتين بحركات تأباها معظم الزوجات، فإن الزوج يقارن بين زوجته وهؤلاء فيعرض لجهله عن زوجته، وقد تناسى معظم الرجال ما أصابهم بمرور الزمن وما أصاب زوجاتهم بحكم السن، فعندما طلب المصطفى صلى الله عليه وسلم أم سلمة للزواج قالت له : إن فيَّ خصالاً ثلاثاَ.. وذكرت منها إنها امرأة عجوز طاعنة في السن، فقال لها المصطفى صلى الله عليه وسلم : " أصابني ما أصابك " أي من فعل الزمن وتقدم العمر .فالرجل الذي يريد من زوجته ألا تتغير بالزمن رجل يصادم فطرة الله وسننه في خلقه، والذي يقارن زوجته بأهل الفن الهابط والعري وتسعير الشهوات واستخدام الجسد في الإثارة رجل مخطئ، وكذلك الزوجة التي تقارن زوجها بالرجل في الفن الهابط مخطئة، فلله في كونه سنن، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا أنه لايبغض مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر، فإذا فتش كل منا في شريك حياته فسيجد الكثير من العلامات المضيئة عند الطرف الآخر فعليه ألا ينسى ذلك، وعلى كل منا أن يتذكر يوم تزوج الآخر في ريعان الشباب والبهجة والنضارة، وكيف كان تلهفه على الطرف الآخر، وإعجابه ببنيته الجسدية وأخلاقه الحميدة، ومن العقل ألا يجري الإنسان خلف الخيال والأوهام والتصورات الخاطئة، وعلينا تحري الدقة والعلمية والمنطقية في سلوكنا وتفكيرنا، وأن نبتعد عن العشوائية والانطباعات الشخصية على الأعمال الفنية والتصرفات الزوجية.
دراسة الدكتورة عزة كريم المنشور ملخصها في أخبار الخليج يوم الاثنين 2/4/2007م تستحق الدراسة والقراءة والتعلم منها، والتعميم على الرجال والنساء في العصر الحديث، خاصة في البلاد العربية.